بحث حول مستويات الفجوة الرقمية في السياق الجزائري

مستويات الفجوة الرقمية في السياق الجزائري

بحث حول مستويات الفجوة الرقمية في السياق الجزائري

تعالج هذه الورقة البحثية موضوع الفجوة الرقمية في الجزائر، وذلك بعرض أسباب حدوثها ومستوياتها ومؤشرات قياسها  ثم التطرق لواقعها في الجزائر لإمكانية تقليصها، وتم الاعتماد على المنهج الوصفي لمعرفة أسبابها ومستوياتها، والمنهج التحليلي بهدف تحليل واقعها في الجزائر وفق مؤشر الجاهزية التكنولوجية.

خلصت الدراسة إلى أن الفجوة الرقمية في الجزائر من خلال المؤشر المذكور تعرف اتساعا مقارنة بالدول المتقدمة في مجال المعلوماتية، مما يتطلب وضع إستراتيجية عملية للتقليص من هذه الفجوة  والمساهمة في معالجة المشكلة التنموية وتحريك كافة القطاعات الإنتاجية

تعمل الجزائر على غرار الدول النامية لتضيق الفجوة الرقمية بينها وبين الدول المتقدمة، باعتماد الرقمنة في جميع الميادين الاقتصادية والطبية والاجتماعية والإدارية، ولتحليل الفجوة الرقمية في الجزائر وتقييم مستوى الجهود المبذولة من طرف الحكومة لتقليصها، ينبغي معرفة مستويات التباين بينها وبين باقي دول العالم، وذلك من خلال قياس هذه الفجوة بمؤشرات خاصة يتم إصدارها من منظمات دولية متخصصة كمؤشر الجاهزية التكنولوجية، باعتباره أحد أهم الأركان الأساسية المكونة لمؤشر التنافسية العالمية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. تسعى هذه الدراسة الإجابة على السؤال التالي : إلى أي مدى تم تقليص الفجوة الرقمية في الجزائر استناداً لمؤشر الجاهزية التكنولوجية؟

     مفهوم الفجوة الرقمية

ظهر مصطلح الفجوة الرقمية على المستوى المحلي في الولايات المتحدة سنة 1995 بصدور تقرير وزارة التجارة الأمريكية الشهير بعنوان “السقوط من خلال الشبكة” (Falling through the net)، الذي لفت الأنظار إلى الفارق الكبير بين فئات المجتمع الأمريكي في استخدام الكمبيوتر والإنترنت بصفة خاصة، ولكن سرعان ما اتسع المفهوم متجاوزًا النطاق المحلي لينتشر استخدامه عالميًا، ويصبح بديلا جامعًا من منظور معلوماتي يعكس الفوارق بين العالم المتقدم والعالم النامي، وبين أقاليم العالم المختلفة في مجال المعلوماتية

مما سبق يتبين أن الفجوة الرقمية مصطلح يدل على درجة التفاوت في مستوى التقدم سواء بالاستخدام أو الإنتاج  في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بين بلد وآخر أو تكتل وآخر أو مناطق البلد الواحد. على الرغم من ظهور الفجوة الرقمية في التسعينات إلا أن الفكرة بالمعنى العملي فقد كانت موجودة في العالم منذ الستينيات، ويمكن توضيح ذلك من خلال الجدول التالي.

تطورات الفجوة الرقمية منذ ظهورها

1960

تأسست شركة الكمبيوتر الشعبية بهدف الوصول إلى الحوسبة. كانت محاولة للتأثير بشكل إيجابي على الأشخاص الذين لديهم إمكانات الكمبيوتر بعد حقبة ما بعد الحرب.

1970-1980

ظهور المناقشات المختلفة المتعلقة بالفوارق الرقمية عبر وسائل الإعلام العامة ودوائر السياسة العامة. بإشارة لمفهوم “الفجوة الرقمية” ولكن المصطلحات المستخدمة كانت بأسماء مختلفة

1992

تم إطلاق متصفح الويب الشهير Netscape الذي أصبح شائعًا على نطاق واسع. تم إطلاق متصفح الويب Mosaic في نفس العام

1995

إصدار الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات تقريراً بعنوان “السقوط عبر الشبكة: دراسة استقصائية للذين لا يستخدمون الشبكة في المناطق الريفية والحضرية بأمريكا”. أدى هذا التقرير إلى إثارة جدل عام وتعزيز المناقشات حول الفجوة الرقمية.

1996

تنشر صحيفة نيويورك تايمز مقالاً بعنوان “خليج جديد في التعليم الأمريكي، الفجوة الرقمية”، اهتمام جمهور الباحثين بالفجوة الرقمية في التعليم، مما عرف ظهور مصطلح “الفجوة الرقمية” رسمياً. يعتقد أن هذا المصطلح ظهر من قبل

 (Larry Irvings and Allen Hammond) ، وتشير تقارير أخرى أن المصطلح صاغه الرئيس السابق لمؤسسة Markle (Lloyd Morrisett)

2000

وزارة التجارة الأمريكية تنشر تقريرًا بعنوان “أمة عبر الإنترنت:كيف يوسع الأمريكيون استخدامهم للإنترنت “. وفقًا لهذا التقرير يستخدم خمسون بالمائة من الأمريكيين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تشعر إدارة بوش آنذاك أن معالجة الفجوة الرقمية بصرامة لم تعد ضرورية. ومع ذلك ، ترى جهات أخرى مختلفة مسألة الفجوة الرقمية بشكل مختلف تمامًا، ليعود موضوع الفجوة الرقمية للنقاش مرة أخرى بين الأكاديميين والأوساط السياسية

2002-2004

بسب اقتصاديات الحجم انخفضت أسعار سوق أجهزة الكمبيوتر وبدأت المناقشات الأكاديمية المختلفة حول فكرة أن الفجوة الرقمية ستهتم بنفسها من خلال قوى السوق

2003-2005

أفادت عدت دراسات الاستقصائية أن الأسر ذات الدخل الأسري المنخفض أقل عرضة لتبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. في نفس الوقت يتم الإبلاغ أيضًا عن تبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سلبًا وإيجابًا عبر منصات أكاديمية مختلفة

2004-2008

إدعاء الإدارة الأمريكية بأن الفجوة الرقمية آخذة في التناقص عبر بعض المنشورات الأكاديمية

2009- 2015

بروز الفجوة الرقمية في المناقشات الأكاديمية والعامة، حيث يرى البعض بأن الفجوة الرقمية سليمة، بينما يزعم البعض الآخر أنها تتعمق بجميع أنحاء العالم. من الثابت حاليًا أن الفجوة الرقمية تتعمق خاصة من حيث المهارات، وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعوامل المعرفية البشرية وغيرها

2015-2016

وفقًا لإعلان Apple العام، فإن أجهزة MacBooks وiPods وiPads وغيرها من الأجهزة الأخرى التي تم إصدارها قبل عام 2010 قديمة لم تعد توفر الدعم الفني. هذا يدعم الحجة القائلة بأن الفجوة الرقمية تتعمق على أساس قدرات الجهاز، والمهارات، وعوامل أخرى

2017-2018

لا تزال مشكلة الفجوة الرقمية قائمة بل ازدادت تفاقما، حيث يستمر عمالقة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إصدار أحدث معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كل عام مع العديد من الميزات الجديدة والمتقدمة التي لا يمكن تشغيلها بواسطة النماذج القديمة.

يبدو أن الفجوة الرقمية العالمية الآن تعتمد بشكل أساسي على الاختلافات في أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها. كما تمثل الفجوة الرقمية المتعلقة بالمسنين تحدي رئيسي آخر فضلا عن الأشخاص دون أي معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

بحث حول مستويات الفجوة الرقمية في السياق الجزائري

 أسبـاب الفجـوة الرقميـــة

يعزو العديد من الدارسين والمهتمين بآثـار ومخاطر الفجوة الرقمية بين الدول النامية والدول المتقدمة إلى عدّة أسباب أدت إلى إفراز واستمرار هذه الفجوة رغم الجهود التي بذلتها بعض الدول والمجتمعات لتجاوزها، وتعود هذه الأسباب إلى

v      أسباب اقتصادية: ويتجلى ذلك في ارتفاع تكلفة توطين تكنولوجيا المعلومات، إلى جانب ضعف التمويل اللازم لإنشاء البنية التحتية لهذه التكنولوجيا وارتفاع كلفة تطويرها، هذا بالإضافة إلى تكتل الدول الكبرى لحرمان الدول النامية من الحصول على التكنولوجيا سواءً بفرض شروط قاسية لنقلها إلى الدول النامية أو حرمان هذه الدول عن طريق المقاطعة الاقتصادية والتكنولوجية، إلى جانب استحواذ الشركات عابرة الحدود (Transborders)  للأسواق المحلية في الدول النامية بمنتجاتها من خلال سياسة الإغراء والحيلولة دون نمو البنية التحتية للدول النامية في هذا المجال.

v      أسباب سياسية: تفتقر كثير من القيادات السياسية في الدول النامية إلى سياسات تنمية معلوماتية، والتي تتسم بالتعقيد الشديد لحاجاتها إلى قدر كبير من الإبداع ودرجة عالية من الوعي، وهذا ناتج عن قناعاتها بأهمية التنمية المعلوماتية مع الأولويات الأخرى كالغذاء والتعليم والصحّة، يضاف إلى ذلك سيطرة حكومات الدول النامية على منافذ المعلومات والاتصالات وعدم السعي إلى وضع التشريعات التي تفسح المجال للاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.

v      أسباب اجتماعية وثقافية: تقترن هذه الأسباب بتدني مستويات التعليم والأمية وجمود مجتمعات الدول النامية وعدم قابليتها للتغيير والتطوّر، بل ومقاومته في بعض الأحيان، بسبب منظومة القيم والتقاليد السائدة مع عدم توافر البيئة الداعمة التي تتيح مشاركة متوازنة في تحقيق التنمية لغياب الثقافة العلمية والتكنولوجية في الدول الأقل نمواً.

v      أسباب تكنولوجية: تتمثل في سرعة التطوّر في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والسرعة في إنتاج العتاد والنظُم والبرمجيات وأجيال التكنولوجيا الرقمية بشكل يتعذر معه اللحاق بها من قبل الدول النامية، إضافة إلى سمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تتصف بالاحتكار التكنولوجـي من قبل الدول الصناعية

وتأتي الولايات المتحدّة الأمريكية في مقدمة الدول المحتكرة لصناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 41.9 بالمائة، أوربا الغربية بنسبة 31.6 بالمائة، اليابان بنسبة 12.2 بالمائة، وباقي دول العالم بنسبة 14.4 بالمائة فقط، يضاف إلى بعدي تسارع نمو التكنولوجيا والاحتكار لجوء الدول الصناعية إلى استقطاب العقول الماهرة والكفاءات العاملة في الدول النامية في هذا المجال للحيلولة دون نمو القاعدة العلمية والمعرفية، تكريساً للتبعية التكنولوجية

 مستويات الفجوة الرقمية

يوجد عدة أراء حول مستويات الفجوة الرقمية، فهناك من يقسمها إلى مستويين الأول يتعلق بالفجوة بين الأفراد والطبقات، أما الثاني فيتعلق بالفجوة بين الدول، بينما يرى Tien , F.F إلى أن هناك فجوة رقمية بين الأفراد وفقا للمستوى الاقتصادي والاجتماعي، وكذالك العرقي، وهناك فجوة رقمية بين طلاب الجامعات الحكومية وطلاب الجامعات الخاصة، وفجوة رقمية بين طلاب التخصصات في العلوم الاجتماعية والعلوم الهندسية، في حين يرى  Korupp, S. E. أن للفجوة الرقمية مستويان، المستوى الرقمي الأول وهو مستوى الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر والانترنت، والمستوى الثاني هو استخدام تلك التقنيات في الحصول على المعارف والمعلومات والتعامل مع، أما Kim A يرى أن هناك خمسة مستويات للفجوة الرقمية كالتالي

مستوى النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: يتمثل في مستوى تطور البلد والاستثمارات الخاصة بالبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخدماتها، ويشمل أيضًا تكلفة وجودة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كالإنترنت والنطاق العريض وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة المحمولة والخدمات عبر الإنترنت ذات الصلة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، ومحتوى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وما إلى ذلك

مستوى الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمستخدم: تتمثل في المستوى التعليمي ودخل المستخدم وحالته المهنية بالإضافة إلى العوامل الديموغرافية كالجنس والعمر

3. مستوى مهارات المستخدم: وتتجلى في القدرة على استخدام التقنيات الرقمية بأساليب أكثر فائدة وجدوى، لتلبية احتياجاته من المنتجات، وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتاحة

4. مستوى الاستخدام المفيد لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات: وتتمثل في قدرة المستخدم في الاستفادة من المنتجات والخدمات والمحتوى الذي تقدمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل مناسب

5. مستوى المشاركة في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: ويتعلق بمدى المشاركة الفعالة من قبل المستخدمين في تطوير منتجات، وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومحتواها، كاستخدام تطبيقات الوسائط الاجتماعية

يحدد البعض ثلاث مستويات حيث يشمل المستوى الأول من الفجوة الرقمية الوصول الجسدي والمادي. ويتمثل ذلك في نشر اتصال الإنترنت وتغلغل أجهزة الكمبيوتر أو الأجهزة الرقمية الأخرى في أماكن العمل والمساكن. ويتعلق الأمر بتخفيض أسعار التوصيلات الأساسية وأنواع المعدات، ومن المتوقع أن تبدأ الطبقات الاجتماعية المنخفضة في اللحاق بالركب وتضييق الفجوات في النهاية

في حين يتمثل المستوى الثاني من الفجوة الرقمية في عدم المساواة بين مجموعة واسعة من “المهارات الرقمية”، أما المستوى الأعلى والثالث من الفجوة يتعلق بتخصيص التكنولوجيا واستخدامها، التي يمكن قياسها في الوقت والتردد وتنوع وجودة التطبيقات المستخدمة والفوائد المستمدة من استخدام التكنولوجيا

 يتبين من خلال تطبيق بعض مؤشرات الفجوة الرقمية على الاقتصاد الجزائري اتساع حجم الفجوة الرقمية التي تعاني منها الجزائر مقارنة بالدول المتقدمة في مجال المعلوماتية. وعلى هذا الأساس فمن الضروري على الجزائر وضع إستراتيجية عملية لتقليص هذه الفجوّة والحد من آثارها، وذلك بتنفيذ عدد من الخطط والإجراءات الكفيلة بتوطين تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ومعالجة المشكلة التنموية بشكل يؤدي إلى تحريك كافة القطاعات الإنتاجية

ولا يكون ذلك إلا بربط شبكات البحث العلمي بمحيطها الإقليمي والعالمي، وإعادة النظر في البناء التشريعي المنظم لتداول المعلومات وإدارتها بشكل يتيح زيادة الطلب على المعلومات العلمية والإدارية، إلى جانب الاهتمام بتنمية الموارد البشرية وتشجيع القطاع الخاص ليصبح محركاً للاقتصاد الرقمي، وتدعيم جهود الشركات في تبني ثقافة الابتكار والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة

المصدر

مجمع مداخلات الملتقى الدولي حول الأداء المتميز للمنظمات والحكومات، الطبعة الخامسة: أداء المؤسسات في ظل الاقتصاد الرقمي المنعقد بجامعة ورقلة، الجزائر يومي 04 و 05 فيفري 2020  

Similar Posts